الجمعة، 18 أبريل 2014

الحوار والتكامل في ممارسة العمارة

ان يدرس طالب معين هندسة العمارة لخمس أعوام ثم يكمل دراسته العليا بعدها، واخيراً يقرر تأسيس مكتب هندسي خاص به فهذا بالتأكيد سيناريو ناجح وجميل جداً في ظل ظروف البلد الحالية، ولكن ما يفسد هذا السيناريو ويجعله مؤلماً هو أن يكتمل بالطريقة التالية:
ينجز المعماري عملاً خاصاً بمكتبه فيعرضه على أحد صفحات التواصل الاجتماعي المتخصصة بالعمارة وتضم عدد هائل من المعماريين بمختلف الخبرات والتجارب في المهنة، ثم يعنون صورة التصميم بـوصف له ويختتم بعبارة (يرجى عمل مشاركــــــــــة (share)) !

والتصميم يعاني الكثير من المشاكل على مستوى الاشكال والتفاصيل ومواد الانهاء ولكن قد تكون الرغبة في التشجيع أو المعرفة الشخصية التي تجعل الكثير من المشاركين في الصفحة يلتزمون الصمت ولا يؤشر أحدهم تلك المشاكل الواضحة، حتى يأتي مشارك متجرد من تلك القيود فيعلق على التصميم بالقول: (يا معودين شنو هل هوسه وهل خربطه هاي واجهة كلشي وكلاشي)!

فيجيبه المصمم: (بالعكس تفاصيلها بسيطة وباستخدام نوعين حجر ونوع مرمر كما ان الهيكل مبني مسبقا. وين الهوسة بالموضوع وياريت لو نشوف واجهاتك حتى نستزيد منها) !
وعندما يذكر المشارك الاخطاء والمشاكل الموجودة بالتفصيل، يكون تبرير المصمم:
-       ان الباب الخارجي من تصميم الحداد !
-       وان تفصيل معين هو من إصرار صاحب المنزل (شوفني بالكونة وكال اريد مثلها)!
-       والجدار الامامي مو شرط يتوافق مع جدار المنزل !
-       والختام بملاحظة (لا يجوز ان تتهم الذوق العام في العراق فقط لمجرد انك درست في الخارج لان الاذواق عديدة وليست واحدة)!
    لا أحد يقول إن من السهولة الوصول الى التصميم المثالي أو على الاقل تصميم قليل الاخطاء، ولا أحد ينكر الكم الهائل من الضغوط التي يواجهها المصمم في مجال العمل ولكن ما إستفزني هو إسلوب حوار المصمم وإجاباته، فالمشاكل واضحة كالشمس وعلى الاقل عدم تعليق أي مشارك او إستحسانه للتصميم دليل واضح على ذلك.
أما فيما يخص الأسباب الواهية لسوء التصميم فتضعنا أمام خيارين :

الاول: التمسك بكافة المبادئ والمقدسات التصميمية وأخلاقيات المهنة والتي لا تتطابق في كثير من الاحيان مع واقع العمل وبالتالي خسارة الكثير من الزبائن والاعتماد على نخبة الزبائن ممن يتفهمون العمارة واصولها.

الثاني: العمل من أجل الربح والكسب المادي السريع والتماشي مع متطلبات السوق أياً كانت والتخلي في بعض الاحيان عن متفقات العمارة وعدم تفويت أي مشروع يعرض على المصمم!

وفي ظل الظروف الحالية قد يعذر البعض المصممين الشباب في سلوكهم الخيار الثاني ولكنني أدعوهم الى إعلان ذلك منذ البداية عند عرض تصاميمهم المنجزة، فيقولوا: (يابة ترة التصميم مطابق لمتطلبات صاحب البيت واني معلية!) .
هنا قد يسأل احدهم: لماذا إذن يذهب الزبون الى المعماري اذا لم يحقق له رغباته ومتطلباته؟ ونقلا عن اقاربي في فرنسا فقد طلب منهم المصمم ان يضعوا تخطيط اولي للمنزل الذي يرغبون فيه ومن ثم حققه هو لهم، والإجابة: إن دور المصمم هو تهذيب متطلبات الزبون والحرص على أن لا تتعارض مع المبادئ الوظيفية والجمالية من خلال توعية الزبون وتقديم المقترحات والحلول البديلة للوصول الى حالة من الموازنة.  

والحقيقة إن الموازنة بين مبادئ العمارة ومتطلبات الزبون هي (المهمة المستحيلة) ولكن  على المصمم ان يحاول الوصول الى تحقيق النسبة الافضل في تلك الموازنة الصعبة.

 وأخيراً فهنالك قضية مهمة في ممارسة العمارة وهي عدم إمكانية قيام المصمم المعماري بكافة فروع المهنة وتخصصاتها وليس من المعيب ابداً في أن يختص  المصمم في جانب معين دون أخر، وحتى مع الفوارق بين تلك التخصصات من حيث إمكانيات المتخصص بها او مواردها المالية الا انها تتكامل مع بعضها البعض في سبيل إنجاز المشاريع الهندسية.
ولكنني من الحوار السابق قرأت اسلوب تفكير خاطئ (وياريت لو نشوف واجهاتك حتى نستزيد منهاوكأن المعماري الذي يصمم وينفذ اعمالاً على الرغم من مشاكلها هو أفضل من المعماري الذي يعمل في مكتب استشاري لتدقيق المشاريع المصممة من قبل الاخرين! أو إن الذي يصمم المشاريع هو أفضل ممن يتابع موقع العمل ويحل المشاكل المستحدثة في التصميم!

والخاتمة إعتراف بعدم الشجاعة بمواجهة المصمم قد أبرره بعدم الرغبة في الإحراج وخلق المشاعر السلبية.

بلال سمير .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق