الأربعاء، 20 مايو 2015

هكذا تكلّم خضير هادي

أنا متأكد أنها من القضايا الأساسية التي أثرت على طبيعة المجتمع : إن الكثير منا لم يكن يحب المدرسة.

وقد يطول الحديث عن أسباب ذلك النفور وسبب إحساس أغلب الطلبة به، ولكن لبعضنا أسباب خاصة جعلت علاقتنا بالمدرسة علاقة معقدة، بالنسبة لي كانت الحادثة في الصف الثاني الابتدائي، عندما (صاح الشيطان براس معلم الرياضة) ليعتقد أن شعر طلبة صف كامل أطول من اللازم، فما كان منه الا أن أرسل بطلب مقص من الإدارة، وبينما نحن نقف (سراوات) في زمن كان الإصطفاف العسكري من ضرورات التعليم، بدأ المعلم بمسك شعر كل طالب من مقدمة الرأس ويعمل المقص في تلك الخصل الممسوكة. ليترك أثر مثلث خالي من الشعر، وكأنه أثر لمكواة ملابس. وبعد هذه الفجوة أنت مضطر للذهاب الى الحلاق ليصلح ما أفسده المعلم!
علاقتنا المتوترة مع المدرسة أثرت بالاستعاضة على علاقتنا بالتعليم، وأعتقد أن الأمر يستمر معنا حتى النهاية، نحب أن نقرأ وأن نبحث ونفعل أي شي ولكننا نقرأ وننجز واجباتنا الدراسية بصعوبة بالغة.
ونحن غالباً ننجز تلك الواجبات لسببين: الأول لكي ننجح فقط ونحصل على الشهادة الاكاديمية في إختصاصنا والثاني هو المنافسة، فنحن لا نحب أن نبدو غير كفوئين ضمن المجموعة، نحب أن نبدو الأفضل وهي صفة إنسانية طبيعية.
ونجد أن الكثير من أمور حياتنا تعتمد على روح المنافسة ولولاها لكانت الحياة مملة غير قابلة للتصور، ومن هذه الأمور، المسابقات الرياضية، العلمية والفنية.
وقبل مدة قصيرة تم الإعلان عن مسابقة تنظمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتصميم نصب فني يخلد ذكرى شهداء قاعدة سبايكر، ولأننا كمعماريين وحتى غير المعماريين نتألم من المستويات المتدنية لتصاميم النصب المنجزة في مدننا، كنصب البيتنجانة الشهير ونصب أبطال آسيا وغيرهما الكثير، كان من المهم المشاركة في تلك المسابقة لتقديم تصميم يعبر بصورة مناسبة وعلى الأقل من وجهة نظر المصمم عن موضوع المسابقة. لتصبح المشاركة كإيقاد شمعة بدلأً عن لعن الظلام.
وكما هو الحال عند البدأ بتصميم أي منتج فني أو معماري لغرض معين، من الضروري الإطلاع على المنجز الإنساني السابق، كيف تعامل السابقون لنا مع مواضيع مشابهة لما نعمل عليه، لكي نكمل مما إنتهوا منه ونستفيد من قدراتهم العقلية التي إستخدموها بمنتجاتهم.
في العمارة يطلق على تلك العملية (دراسة الأمثلة المشابهة) وفي موضوعنا نصب ضحايا سبايكر، كانت خطوتي الاولى هو البحث عن الكيفية التي تناول بها الفن تلك القضية كون النصب هو أقرب للفن من العمارة.
والحقيقة لا أعرف كيف كنا نعيش من غير أنترنت، فقد قادني البحث على الشبكة الى الفنان خضير هادي.
معرفتي بخضير هادي قديمة من المرحلة الاولى لدراستي الجامعية عندما كان بعض أصدقائي من المعجبين به، وخضير هو صاحب 10+1=10، ولا يخنجر، وإنتي ما تستاهليني، وفاتت بشارعنا كيا وغيرها الكثير.


وانا لست من محبي الشعر فصيحه وشعبيه، فلم اقرأ في ديوان شعر لأي شاعر ولم أقرأ قصيدة واحدة كاملة بعيداً عن قصائد مناهج المدرسة وقد تكون صفة سلبية إكتسبتها من بيئتي، فلم يكن أحد من عائلتي محب لقراءة أو نظم الشعر ولم أتعرف على صديق مهتم بالشعر خلال حياتي.
ولكن الأمر مختلف بين قراءة الشعر والاستماع الى الشعر، فعن محمد أبو عبيد يقول: نصف الشعر إلقاء شاعره.
ومع خضير الأمر مختلف! هو شخصية مثيرة للجدل نبرة الصوت، مظهر الشوارب والشعر، طريقة الالقاء التمثيلية. والجدل عن شخصيته وطريقة القاءه في جانب والجدل عن نوع شعره في جانب آخر.
فهو يصنف كشاعر شعبي وقد يمثل نسخة عراقية عن الشاعر المصري شعبان عبد الرحيم، ولا يتطلب الأمر منه سوى مشابهة الكلمات التي تنتهي بها مقاطعه الشعرية ففي (احجيلك على ضيمي) مثلا تنتهي مقاطعه بـ:
معروفين
طيبين
....
خطاب
باب
...
آنة
قمصانة
تعبانة
ذبلانة
بيبانة
جرمانة!

ولأننا يجب أن نميز بين الحكم على الإنسان والحكم على نتاجه أو منجزه، فقد كانت القصيدة الغنائية لخضير هادي عن سبايكر هي المحفز للفكرة لمقترحي التصميمي.
عند البحث عن المصادر الفكرية أو الشكلية التي من الممكن إستخدامها في تصميم النصب، نجد أن أغلبها تمثل صور مؤلمة ووحشية ليتم استخدامها في نصب فني أو أن تلك المصادر مجردة كالرقم 1700.
لذا كان محفزي هو طريقة تناول الشاعر خضير هادي للقضية، لقد جعل الأمر يتمحور حول الأم، أم الشهيد، وكيف أنها تناجيه وتنتظر عودته بفارغ الصبر. أعتقد أن جميع المشاركين سيكون تركيزهم على كيفية التعبير عن الضحايا ولكن خضير هادي يدفع بنا الى تعبير غير مألوف.
ونجد في حديثه عن الأم يدفعنا بإتجاه فعل وقوف الأم فهو يقول:
يمة يالولد كل حيل مابية.
على فراكك ولا عانني رجلية.

واترككم مع القصيدة الغنائية كاملة وفكرة النصب التصميمية وشكله النهائي.















هناك تعليق واحد:

  1. ارى فيه الكثير من الهموم فما وقع نظري عليه حتى تذكرت بلا شعور ما هي وكيف حصلت وهل من جديد لها يوما ما ز
    قد يتعذر عليه التفكير لكن لا يتعذر علي الربط بين الاف ممن رزحوا تحت طائلة القتل بدافع او بدونه او سبب او بدونه.
    ولكن يبقى السؤال لمض اضاع المصمم حق الانسان في الصعود وهو يستشهد باية قرانية النم يكن من الاجدر ان تتوسع حركة الجزء وصولا الى او بالعكس ام تبقى العملية لا مجال للحركة فيها، وان صح ذلك فهل بقاءه زجاجا هو الاسمى وسط صيحات الجمع من الشهداء وان تحرك فيها الناس فانه فيه ان عولجت حتى تكون ممرا للهواء بحيث تجعل من صوت الهواء المتداخل بين ثنايا النصب مجالا لا تغادره الذاكرة من شعور .
    اتمنى ان اكون تحت هذه الحركة التي تعني لكل منا شئ وخير الاشياء ذكرى افتعلها الهواء بحركته بين مسحة الهواء البارد والنغمة الحزينة فيه.
    تقديرنا لهذا الجهد وامنياتي لك بالتوفيق.
    ابراهيم

    ردحذف