الاثنين، 6 يوليو 2015

 قوس قُزح ... معمارياً

هنالك معلومات ومواقف تُحفر في الذاكرة خلال سنواتنا الأولى، نسبة كبير منها هي نتاج تلقين البيئة التي نشأنا فيها، لا أتذكر بالتحديد من قال لي من الأقارب: لا تسمي قوس قزح قوس قزح لأن قزح إسم من أسماء الشيطان، سميه قوس الله، هو إسم مناسب أكثر.
واليوم تخبرنا ويكيبيديا نقلاً عن لسان العرب والقاموس المحيط وdictionary of gods and goddesses ، وضمن معاني آخرى، أن قزح إسم لإله الطقس والمطر والخصوبة أو هو إسم الملك الموكل بالسحاب، كذلك هو إسم للشيطان !  وللقوس أسماء أخرى هي قوس المطر أو قوس الألوان.
قبل ذكرى إشكالية التسمية، قد تكول الذكرى الاقوى المرتبط بقوس (....) هي من أفلام كارتون مغامرات سنبل، كنت من المتابعين يومياً لسنبل في فترة برامج الاطفال الوحيدة على شاشة التلفزيون العراقي، لتستمر الرحلة مع قوس قزح كظاهرة طبيعية نادرة ورائعة، تحصل من إجتماع المطر مصدر الخير والشمس مصدر الضوء، فهي طوال السنين تعبر عن مثالية الطبيعة، تعبر عن الخير عن الأمل وحتى في الكتاب المقدس (bible) فهي تمثل وعد الرب بالسلام لنوح عليه السلام.


الذكرى الأخيرة في العام الماضي عندما ظهر القوس كاملاً في مدينة بغداد مما أتاح للجميع تصويره والتفاؤل به.
بالتأكيد أن قوس قزح هو ظاهرة لونية بحتة، يكسب وجوده وشخصيته من الوانه السبعة المميزة، ولأننا نتحدث في سياق العمارة، فاللون عنصر مؤثر من عناصر التصميم الفني بصورة عامة والتصميم المعماري بصورة خاصة. يدخل تأثير عنصر اللون أو يتداخل من كل العناصر الآخرى، فللخط لون وللسطح لون ... لينتج التكوين المعماري النهائي بألوان متعددة داخلية وخارجية.
وفيما يخص إستخدام الالوان السبعة مجتمعة في العمارة قد يظهر غالبا في المباني الخاصة بفعاليات الاطفال (رياض الاطفال، المدارس الابتدائية، الملاعب العامة).
ففي مشروع تجديد روضة في مدينة باريس تم إستخدام ألوان قوس قزح لإعطاء نظرة (تازة) للهيكل القديم للمبنى، علاوة على خلق بيئة مرحة إيجابية تناسب رغبة الطفال المستمرة باللعب.



وفي مشروع آخر في لندن (the rainbow house) نجد إستخدام الالوان في السلم الحلزوني، ويوصف المشروع بأنه بيت سحري من الألوان والمرح يناسب خيالات كل الاطفال.


مشروع آخر في الدنمارك (rainbow panorama) يوصف بجملة إفتتاحية " أصبح من السهل الوصول الى قوس قزح" !
وهو عبارة عن ممشى دائري مضاف لمتحف الفنون في مدينة (Aarhus) في الدنمارك يوفر للزوار فرصة رؤية ملونة وبـ360 درجة لمعالم المدينة.



في الهند ينتج لنا البحث عن مبنى معهد الأدارة الدولية بواجهته الزجاجية القوس قزحية، والتي توفر بيئة خارجية وداخلية مناسبة لوظيفته.

حتى هذه اللحظة كل شي طبيعي وكل تلك المباني وإستخداماتها للألوان ترتبط بالطبيعة ومحاولة خلق أحاسيس إيجابية عند مستخدمي ومشاهدي تلك المباني متعددة الوظائف.
الجديد في الأمر حصل يوم الجمعة 26-6-2015 عندما قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بالسماح بزواج المثليين في عموم الولايات المتحدة الأمريكية، ورفع الحظر عن ذلك النوع من الزواج في جميع أنحاء البلاد.
ما يهمنا هو كيف تحول قوس قزح الى رمز للمثلية؟ وما هو موقفنا من إستخدامه مستقبلاً في تصاميمنا المعمارية؟ أصبح قوس قزح كعلم  يستخدمونه للتعبير عن قضيتهم، لينتقل الى كل مادة إعلامية تعبر عن نفس التوجه!
وبعد بحث بسيط نجد أن الرمز مر بمراحل متعددة منذ الكاتب المسرحي أوسكار وايلد حتى يومنا هذا.
تأريخياً إستخدم المثليين الألوان البراقة للتعبير عن أنفسهم، فأوسكار وايلد كان يرتدي قرنفلة خضراء في طية صدر سترته، وقد إستخدم هذا الرمز غيره من اللندنيين والباريسيين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للتعبير عن توجههم.
اللون الاصفر إستخدم لنفس الغرض في استراليا، أما في أيام المحرقة اليهودية، فإن رجل غير سوي اجبر على إرتداء مثلث زهري اللون، والذي أصبح رمزاً لبعض المجتمات المثلية فيما بعد. اللون الارجواني أصبح رمزاً شائعا أيضاً للمثلية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
وبذلك فإن قوس قزح لم يكن رمزاً للمثلية حتى عام 1978، عندما صمم الفنان (Gilbert Baker) ما أراده أن يكون أول علم حديث للإفتخار بالمثلية، يتألف من ثمانية أشرطة ملونة، لكل لون رمزية معينة:
الزهري للجنس، الاحمر للحياة، البرتقالي للشفاء، الاصفر لاشعة الشمس، الاخضر للطبيعة، الازرق للفن، النيلي للانسجام والبنفسجي للروح الإنسانية.


وعندما أراد تصنيع العلم وطرحه للبيع وجد أن اللون الزهري غير متوفر كبقية الألوان فرفعه من التصميم، ثم رفع اللون النيلي للحفاظ على العدد الزوجي فيه، ليصل العلم الى شكله المعاصرة بستة الوان. وقد تم إستخدامه ذلك العام في مسيرة في مدينة سان فرانسسكو/ الولايات المتحدة الامريكية.
ولثقافة البوب أيضاً دور في نشر قوس قزح كرمز للمثليين، ربما من خلال المغني (Judy Garland) وأغنيته الشهيرة (Somewhere Over the Rainbow) والذي يعتبر من أشهر النجوم في المجتمعات المثلية في فترة الخمسينات والستينات.


من هذه النظرة التأريخية نجد أن هنالك إنفصال بين قوس قزح كظاهرة طبيعية وبين مصدر الالوان الستة المستخدمة في العلم، فهم لم يستخدموا تلك الالوان لأنها تعبر عن الظاهرة الطبيعية، سبب الاستخدام جاء من كونها الوان براقة اولاً ثم للرمزية المنفصلة لكل لون، وتلك الرمزية خاصة بالمجتمعات التي يعيشون فيها وهي غير معروفة لدينا مسبقاً.
هنا نعود الى السؤال السابق، ماهو موقفنا المستقبلي كمعماريين من إستخدام تلك الالوان مجتمعة في مشاريعنا؟!
هل نتغاضى عن معرفتنا بتلك الرمزية الجديدة ونستمر بإستخدامها عندما تخدم وظيفة وفكرة المشروع الذي نعمل عليه؟
أم أننا جزء من مجتمع عالمي كبير يشترك بالرموز والاشارات، لذلك سنحرم أطفالنا من التمتع ببيئة ملونة، ونبتعد عن إستخدامها لارتباطها بموضوع مثير للجدل؟
وهذا يؤشر لقضيتين مهمتين، الاولى هيمنة الاعلام الغربي على مجتمعنا، فمن خلال يوم واحد وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات الاخبارية تم زرع رمز جديد في رؤس أفراد المجتمع، على الأقل الأفراد المتصلين بالشبكة، وهي نسبة كبيرة جداً من المجتمع.
القضية الثانية هي حساسية ما ترمز اليه الالوان، ففي قضية مشابهة عن إختلاف الرموز بين المجتمعات العالمية، نجد أن حيوان البوم يرمز عراقياً أو عربياً للشؤم ولكن عالمياً نجده يرمز للحكمة، فهنا نستطيع تحدي المجتمع ونستخدم البوم إستخداماً عالمياً في الملابس او الاكسسوارات النسائية ونتجاهل الاستخدام المحلي. ولكن بعد التشريع الامريكي قد يكون من الصعب تحدي الرمزية العالمية للالوان الستة واستخدامها برمزية محلية فقط.
وأخيراً هل أن الامر يستحق البحث والنقاش معمارياً؟
ماذا لو إستخدمنا  في المستقبل الوان قوس قزح (بنية صافية) في مشروع روضة أطفال أو مدرسة ابتدائية، وقد يعلم الاطفال بالرمزية الجديدة من خلال تواصلهم الحالي على الشبكة، هل سيؤثر ذلك الاستخدام على ميولهم الذاتية ؟ لا اعلم !

أتذكر النكتة أو الحقيقة التي تقول أن داعش أمرت بعدم بيع الخيار مع الطماطم أو عدم جمعهما في صحن واحد لانهما ذكر وأنثى! فقد نلجأ نحن المعماريين الى وضع فواصل بين الوان قوس قزح وعدم جمعهم سوية لأنهم لو إجتمعوا سيكون الشيطان ثامنهم!








هناك تعليقان (2):

  1. تحية طيبة، تطرقت أخي لعمق الإشكال، ففي تطوير مدرستنا كان رمزها الأول ألوان قوز قزح داخل قوس هلال، فإذا بي أقع على تعليق بعض الأشخاص أن الألوان هي للمثلين...، فهل اترك الرمز بحاله؟ وماذا حيال ذلك تربوياً؟ أم أضطر للتخلي عن الفكرة العميقة للرمز أن الهلال رمز الإسلام يقبل التنوع فيضم كل الألوان، ويرسل لون الوحي "الأبيض" في طياته ألوان قوس قزح، ,,, مالعمل؟

    ردحذف
    الردود
    1. اهلا وسهلا استاذ ... أعتقد أن الرمزية الجديدة لقوس قزح أصبحت عالمية ونحن لا نستطيع الانفصال عنها، وخاصة للمستقبل ... والاجابة تعتمد على طبيعة تواصل المجتمع المحيط بالمدرسة مع المستجدات، فلو كان الجميع يعلم أنه رمز للمثليين فمن الممكن تطوير شعار المدرسة وليس تغييره ليبتعد عن الشعار السابق قليلاً، وأما اذا كانت هذه المعلومة نادرة في المجتمع فأنا مع البقاء عليه نفسه.
      مع التقدير

      حذف