الاثنين، 10 أغسطس 2015

نصب الحركة الطلابية في الجامعة التكنولوجية

كان من بين القطع تمثال الطفل، وكان جواد كلما مرّ بالطفل أو إفتعل المرور به مسح بردف ساعده وجه الطفل بحركة مترفقة تشع بالتعلق، حتى إصفر البرونز في وجنتي التمثال من كثرة التمسّح. كان جواد يحب هذا الطفل، وبينما كانت المنحوتات مطروحة على الأرض وقبل المباشرة بعملية اللحم والرفع والتثبيت، سقط جواد ذات يوم بنوبة قلبية بعد الغداء، فنُقل الى المستشفى الجمهوري، وما هي الا بضعة أيام حتى جاءني عبد الأمير أحمد وأنبأني، بأن جواد قد مات !

هذا ما يخبرنا به المعماري رفعة الجادرجي، في الإخيضر والقصر البلوري، ولكنّ جواد في الحقيقة لم يمت ذلك اليوم، لقد إستخدم سر الخلود الذي إكتشفه كلكامش في ملحمته الوادي رافدينية.
فنصب الحرية لجواد سليم يمثل اليوم خلفية معنوية وفيزيائية لكل صور تظاهرات ساحة التحرير، وبعد هذه الفترة المليئة بالأمل، تذكرت عمل نحتي آخر، وهو يفرض علينا القول أنه نسخة أو مستوحى بصورة مباشرة من نصب الحرية.

لا يمتلك العمل إسم ! ولكنني سأطلق عليه (نصب الحركة الطلابية)، يقع في حرم الجامعة التكنولوجية في بغداد، بإطلالة على الساحة الرئيسية للإحتفالات في الجامعة.



منذ دخولي للجامعة وأنا أمر أمامه مرور الكرام، لم أقف يوماً لتأمل عناصره ومعانيه، نظرة سريعة دائماً وأنا متجه للمكتبة المركزية أو مسرح الجامعة، ولكني وبعد مشاهدة تقرير مفصل عن نصب الحرية، أصابني الفضول الشديد، من الذي صمم النصب ونفذه؟ ما المعاني التي يحملها على جداره؟

توجهت صباح اليوم الى قسم الشؤون الفنية في الجامعة ليرشدوني الى قسم الإعلام وأخيراً الى الاستاذ عبد الحسين الخطيب في رئاسة الجامعة، كونه الشخص الذي يعرفونه كمعاصر لفترة إنشاء النصب وهو قادر على تزويدي بمعلومات عن مصمم النصب فهم لا يعرفون المصمم لا من قريب ولا من بعيد!
نفذ النصب عام 1977 في الحرم الجامعي،  ومن قام بتصميمه وتنفيذه أحد طلبة الجامعة نفسها، ولا يتذكر الاستاذ عبد الحسين سوى إسمه الأول: معتز ... يقول أن معتز هو الذي تكفل بتصميم وتنفيذ النصب ولم توفر الجامعة له سوى الجدارية التي تحمل المنحوتات المعدنية البارزة، لا يتذكر أين نُفذ النصب أو من تحمل كلفة تنفيذه، ويقول أن معتز قدّم في حينها كراساً عن فكرة النصب ومعانيه ولا يعلم إن كانت هنالك نسخة من الكراس منسية في رف أحد المسؤولين عن الجامعة في ذلك الوقت.
كان معتز أحد أعضاء الإتحاد الوطني لطلبة العراق، وهو من مدينة الموصل وأنا أتمنى اليوم أن يكون بخير ويصل له فضولنا هذا، ليسلط الضوء مرة ثانية على عمله المنتصب في إحدى أهم جامعات العراق.
 هذا كل ما جادت به ذاكرة الاستاذ عبد الحسين الخطيب عن النصب والذي يقول أن موضوعه الرئيسي هو "الحركة الطلابية في العراق".

وفي محاولة لقراءة النصب اليوم نحن بحاجة لتهيئة ثلاثة مفاتيح لفك شفراته ومعانيه، المفتاح الأول: هو الحالة السياسية القائمة في تلك الفترة، والتي تقع في فترة حكم الرئيس العراقي أحمد حسن البكر والذي حكم من 1968 الى 1979، (كون قبول فكرة النصب ترتبط بموافقة فكر الجهة الحاكمة، وهو ما تحقق في نصب الحرية أيضاً) أما المفتاح الثاني فهو التأريخ النضالي لإتحاد الطلبة العراقي والذي إنشق عنه فيما بعد الإتحاد الوطني لطلبة العراق ( والذي ترتبط الاحداث التي تشكل تأريخيه إرتباطاً وثيقاً بأفكار النصب التفصيلية) وأخيراً مفتاح مقارنتنا للعمل بنصب الحرية وهو أمر حتمي تقريباً لأن هيئة النصب تقول أن معتز قد تأثر وحاكى نصب جواد سليم وسار على نفس طريقه النحتي.
ولسوء الحظ فأنا غير ملم بتلك المفاتيح الثلاثة أو على الأقل الأول والثاني، فعند تصميم وتنفيذ النصب لم أكن قد ولدت أصلاً، وما أعرفه عن تلك الفترة هو من قراءات أغلبها من مواقع الكترونية لايستطيع أحد أن يضمن صحة معلوماتها.

لذا سأحاول اليوم أن أقرأ عناصر النصب قراءة أولية، وهي معتمدة على مقارنة العمل بعناصر نصب الحرية مع إدراك الموضوع الرئيسي لنضال الحركة الطلابية في العراق، وأنا على أمل أن أجد الشخص الذي يمتلك كراسة معتز الثمينة، أو أن أستطيع الإتصال بمعتز نفسه.

يتألف النصب من ستة أجزاء مترابطة كترابط أجزاء نصب الحرية، وسأسمح لنفسي بتسمية تلك الأجزاء ومحاولة إكتشاف معانيها، وطبعاً بدون الأشارة الى الأنظمة السياسية التي تظاهرت ضدها الحركة الطلابية أو التي عذبت الطلبة و قتلت بعض ناشطيها.

-التظاهرات المشتركة: ويتألف هذا الجزء من ثلاثة شخصيات، رجلين وإمرأة، ونستدل على التظاهر بالأيدي واللافتات المرفوعة، ولعل الأيدي هي سيدة المشهد، فمرة ترتفع للهتاف ومرة تشير الى الترابط بين الطالب والطالبة فهما يمسكان بيدي بعضهما للمحافظة على وحدة وقوة التكوين الشكلي والمعنوي.


-القمع الجسدي: نقرأ بوضوح الفترة التي تلت نشاط التظاهر والتي تتمثل بقمع تلك الحركة الطلابية، والقراءة تعتمد على قضبان السجن و(سركي) بوابته الحديدية، طالب موثوق اليدين وقد إنهار جسدياً نتيجة التعذيب، طالب مسجى على الأرض في الخلفية ويحتمل أن يكون فارق الحياة، وأخيراً الطالب الشامخ.


بالاعتماد على نصب الحرية لم يجسد جواد سليم الطرف الآخر(الظالم، السلبي)، لم يجسد الحاكم، لم يجسد الجلاد ولا القاتل، لذا عندما نجد الطالب الذي يقف بقوة في وسط مشاهد السجن والتعذيب فهو ليس السجان أو الجلاد، أعتقد أنه الطالب الذي تجاوز هذه المرحلة العصيبة ووقف صامداً وعلى كتفه نسر يفتح جناحيه واسعاً.

-الإستشهاد وإكمال المسيرة: نقرأ من هذا الجزء إستشهاد الطالب الذي تعرض للحبس والتعذيب لتكمل المرأة (الطالبة) مسيرة النضال وهي تحمل بيدها جزء من مشعل؟ قلم ؟ لا أعلم بالتحديد ولكنها تحمله وتمد يدها بقوة وتتقدم الى الأمام بخطوة واسعة.

- الطلبة الصغار: لأن هذه القراءة أولية فهي تحمل الكثير من القصور، فهذا الجزء أقرأ فيه مجموعة أطفال وقد تعرضوا لرمي الرصاص، للقتل لا أعلم  ومن المؤكد أن هنالك حادثة تأريخية نستطيع من معرفتها تفسير هذا الجزء الغامض من النصب.

-الإنتصار وشروق الشمس: يتألف هذا الجزء من نفس ثلاثية الجزء الاول (رجلين وإمرأة) ترتفع فوق رؤوسهم الشمس وهي تقترن بالولادة الجديدة والمستقبل،  تمتاز هذه القطعة عن سابقتها بأنها تمتلك الكثير من الحركية والتقدم الى الامام فالأرجل تخطوا واسعاً باتجاه اليسار وهو نفس إتجاه قراءة نصب الحرية والمعتمد أساساً على إتجاه القراءة في اللغة العربية. المرأة تبدو وكأنها تشجع الرجال وتأخذ بإيديهم الى الأمام.

-الاستلام: أقرأ في حركة الايدي للمرأتين اللتين تشكلان هذا الجزء، كحركة لإستلام شي وحمله عالياً، قد يكون الشئ هو الانجازات التي حققتها الحركة الطلابية في العراق والتي بها تنتهي قصة النصب والتي تبدأ بالتظاهر فالقمع ثم الشهادة وإكمال المسيرة والإنتصار وحمل المنجزات.

  يمتاز النصب (كماهو الحال بكل النصب التي نجت من الإزالة عند تغيير النظام الحاكم، نصب الشهيد في بغداد، نصب الحرية، وعدد قليل آخر)، بالتجريد وعدم تضمينه رموز مباشرة لشخص أو لجهة حاكمة، فموضوعه عام يسقط على الحركة الطلابية بكافة تبدلاتها العراقية.

 وأخيراً أتمنى مرة ثانية أن يكون معتز بخير، ونستطيع التواصل معه، أو أن يكون كالجندي المجهول، ويبقى عمله خلفية للنشاط الطلابي الحالي والمستقبلي. 












هناك 6 تعليقات:

  1. دكتور لمن جنت ما اعرف اسم هذا النصب اتخيلته نصب حركة الشعوب مو الطلاب لانه ماكو دليل عله الطلاب

    ردحذف
    الردود
    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      كلامك صحيح جدا ..ولكن الخطأ هو من الاستاذ عبدالحسين الخطيب ..
      انا كنت عميدا في الجامعة التكنولوجية..ادرس طلبة قسم المعمار..
      وانجزت هذا النصب في قسم السباكة التابع المعامل في الجامعة..
      ولم أكن أبدا منتميا لاتحاد الطلبة رغم الضغوط القاسية آنذاك..
      سلامي وتحياتي لك
      معتز الحاج حمدي من كندا

      حذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اخي بلال شكرا على جهودك ..واخيرا انا معتز الحاج حمدي.. ارجو الاتصال بي مع الشكر الجزيل مقدما

    ردحذف
    الردود
    1. أستاذ معتز شنو كان اسم النصب

      حذف