علي العمية الكعبي ... استاذ ورئيس قسم
في هذه الأيام
والأيام المقبلة، يبدأ الحديث مرة أخرى عن الأقسام المعمارية في الجامعات
العراقية، يتسآءل الطلبة الذين أنهوا الدراسة الإعدادية دائماً، عن القسم الذي
يوفر مناهج دراسية أكثر كفاءة من الأقسام المعمارية الأخرى.
تتعدد الأجوبة ولكن ما إستجد في السنوات الأخيرة،
إستحداث أقسام جديدة لدراسة هندسة العمارة في الجامعات الأهلية في بغداد والحكومية
في المحافظات، ونية جامعات اخرى إفتتاح دراسة العمارة في السنوات القليلة المقبلة.
ومن (صفنة) في تلك الزيادة، نجد أنها سلاح ذو حدين، ولا
يمكن إصدار حكم بالقضية الا بعد الإطلاع القريب على المناهج الدراسية لتلك
الاقسام، والأكثر دقة الإطلاع على المنتج المعماري لخريجي تلك الأقسام، قبل التخرج
وبعد التخرج.
إن الموضوع المثير للقلق غالباً، هو زيادة عدد المهندسين
المعماريين المتخرجين وبالتالي زيادة التنافس بينهم على فرص العمل في سوق (هو أصلا
نايم)، علاوة على منافستهم من قبل المهندسين المدنيين والمقاولين والحدادين !
ومن (صفنة) أخرى، وهو رأي شائع عالمياً، أن يتم تنظيم
ذلك التنافس عن طريق زيادة التخصصات في هندسة العمارة كمهنة عامة، فلو كنت أنا
صاحب مشروع كلية أهلية وأنوي أن أفتتح قسم عمارة فيها، سوف أبدأ بدراسة مناهج
الأقسام الأخرى الموجودة في الساحة لكي ألتقط مواطن الضعف فيها ولا أنسى النظر في
نفس الوقت الى واقع سوق العمل المعماري ومتطلباته.
وبذلك أقرر أن أفتتح قسم عمارة بفروع جديدة أو على الأقل
مواد دراسية جديدة تتفاعل مع واقع السوق ولتكون هي طبعاً المنظم للمستجدات كونها
تقدم دراسة علمية وفنية لما يتداوله السوق بصورة عشوائية غير منظمة، وكمثال:
-السوق لم يعد يستغني عن استخدام الواح الالمنيوم (Alucobond) كمادة
إنهاء للمباني.
-أغلب المدارس المعمارية تتخذ موقف سلبي من المادة،
وبالتحديد إستخدامها بصورة غير مدروسة، (ومناهجها لا تتضمن أبداً تفاصيل استخدامها
بالطرق الصحيحة).
فأنا سوف أخصص مادة دراسية سنوية أو فصلية مختصة بدراسة
موضوع التغليف بالالمنيوم وأخرج طلبة يستخدمون المادة بأصلها وأصولها. ويبدأ سوق
العمل بالتوجه بتكليفهم بالأعمال كونهم أكثر كفاءة من خريجي الأقسام الأخرى في هذه
التفصيلة المعمارية.
أما النظرة المقابلة لما سبق والتي تقول بسلبية تشعب
التخصصات في العمارة فهي تعتمد على واقع العمل الفوضوي مرة أخرى، والذي يكتسب
فوضويته من إنعدام تشريع قرارات تنظيم العمل أو إنعدام تنفيذها مع وجودها، لن
يُجبر الزبون اليوم على الذهاب الى معمار مختص بتصميم الفضاءات الخارجية (landscape) عندما يريد
تصميم كازينو أو مطعم بفضاءات خارجية، وذلك كمتطلب أساسي في الموافقة على إفتتاح
مثل هكذا مشروع. ولن أضرب المثل هنا بحال
المهنة وتنظيمها في دول العالم الأخرى لأننا جميعاً نعرف ذلك الحال، لن أكون كجاري
المزعج الذي يذكر زيارته لهولندا كلما التقينا وكيف أنه خرج يوماً فوجد (طسة)
وعندما عاد في المساء لم يكن لها وجود!
هذا ما يخص أقسام عمارة جامعات بغداد، فما هو الحل
لأقسام بقية المحافظات؟
أعتقد أن أهم ما يجب أن يتضمنه المنهج الدراسي هو
الأرتباط بالمدينة التي تقع فيها الجامعة، دراسة تأريخها، مجتمعها، آثارها
المعمارية، متطلباتها الحالية، وبذلك سيتخرج مهندس معماري أكثر كفاءة من غيره للتصميم في تلك المدينة، ويفرض على المستثمر أو
أي رب عمل من خارج المحافظة على تكليفه بمهمة التصميم أو الإعتماد عليه كمشارك
أساسي في العملية التصميمية.
أما عن الواقع ومن خلال متابعتي لصفحات تلك الاقسام على
مواقع التواصل الاجتماعي (وأنا مدرك تماماً أنها تدار من قبل طلبة شباب لم تكتمل
رؤيتهم المعمارية بعد) لا أجد أي إشارات واضحة لكون تلك الأقسام هي في مدن غنية
حضارياً وتمتلك من الخصوصية الإجتماعية والمعمارية الكثير، تلك الصفحات تكرر ما
يتم تناوله في الصفحات الأخرى ولا تضيف أي معرفة معمارية جديدة عن المدن التي تقع
فيها، هنالك قسم عمارة في مدينة سامراء، وهل هنالك مدينة أغنى معمارياً من مدينة
سامراء؟ هنالك قسم عمارة في بابل، في البصرة، في المثنى وغيرها، ولكن كم من
المنشورات تتعلق بتلك المدن المميزة؟
نقرأ عن الدكتور علي الوردي والدكتور محمد مكية، كيف
كانا يطلبان من طلبتهما الذهاب الى مدنهم وقراهم في الصيف وإعداد تقارير ودراسات
إجتماعية ومعمارية خاصة بها، لكي يتعرف الطالب على بيئته أولاً ولينقل تلك المعرفة
الى الطلبة الأخرين والى العالم أجمع، فكيف الحال اليوم وقد أصبحت الجامعة في نفس
تلك المدينة؟ ولا يستطيع أحد الشكوى من الوضع الأمني كما هي العاصمة بغداد.
في رأي مثالي
حالم: يجب أن يقضي طالب العمارة في تلك المدن أغلب وقته في الشوارع والمواقع
الآثارية بعيداً عن القاعات الدراسية!
إن كل ماسبق هو نتيجة لمشاهدتي ظاهرة الزمان الدفان: علي
العمية الكعبي، وإنتظار في عيادة طبيب الأسنان!
ما ينتجه علي العمية (القبر) هو كيان مادي يلبي حاجة
إنسانية، يمتلك فضاء داخلي يلبي تلك الحاجة، وله عناصر تؤلف مظهره الخارجي، يشيد
مادياً من الطابوق والمرمر والمواد الرابطة، وتؤلف القبور بمجموعها جزءاً رئيسياً
من نسيج المدينة.
هل يقترب ما
سبق من وصف الناتج المعماري؟
من المسؤول عن تصميم المقابر في (أوربا والدول المتقدمة)
!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق