الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

بدّل العلاكَة .. بدّل الجام ..

يكتب عزيز الحجيّة تحت عنوان (الصيف) ..... سلّة العشة – لكل عائلة سلة كبيرة مصنوعة من أعواد الرمان والقصب تشتهر في صناعتها مندلي وبعقوبة ومدن أخرى في العراق، يحفظ تحتها عشاء رب العائلة أو سواه ممن يتأخر ليلاً وذلك حتى لا يحَنحِن (يفسد ويكون غير صالح للأكل) ويوضع فوق السلة ثقالة وغالباً ماتكون طابوقة كي لا تقلبها (البزونة وتأكل العشة)، كما توضع شياف (قطع) الركَي على التيغة حتى تبرد وما ألذ أكل الركَي البارد على سطوح أهل بغداد!

 لم أتذكر بعد القراءة الركَي السوري والإيراني، ولكنني تذكرت الصمون اليابس !
فقد حاولت في شهر رمضان الماضي أن أضع الصمون الحار في ظرف ورقي لأكله في وجبة السحور القادمة بدلاً عن تجميده وتسخينه مرة أخرى وكانت النتيجة أن الصمون كَركَف كَركَفة مخيفة ! فقالت أمي : لا بديل عن الكيس النايلوني !
(يخنُك الصمون خنك لا هوة طاب ولا هوة طالع)، لذا كان الحل وقتها أن أضع الصمون في الظرف الورقي ثم في الكيس النايلوني للحفاظ عليه.
وفي موضوع علاقتنا الحميمة مع الأكياس البلاستيكية حضرت اليوم ورشة عمل حول التخطيط الستراتيجي وفرص وآليات التسويق والترويج لمنتج الأكياس الصديقة للبيئة، على قاعة البيت الشبابي في الوزيرية والتي أقامتها جمعية معاً لحماية الإنسان والبيئة.
كان إسم المشروع: (مشروع بدّل العلاكة) والذي يطرح رؤية عراق خال من الأكياس البلاستيكية، ورسالته إستبدال الأكياس البلاستيكية بأكياس صديقة للبيئة من أجل توفير بيئة صحية للمجتمع وتوفير دخل أفضل للأرامل والأيتام.


والحقيقة أن المشروع صدى عراقي عن الجهود العالمية، والتي آخرها إعتبار العام القادم في بعض الدول كهولندا وجزر القمر، بيع وشراع الاكياس البلاستيكية مخالفة يحاسب عليها القانون، وعراقيته تتجسد في كونه غير ربحي يهدف الى توفير مصدر دخل لأسرة أرملة من أجل توفير حياة كريمة لها ولعائلتها حيث أن إيراد هذه الأكياس سيساهم في بناء مشروع صغير يدر الدخل للأرامل والأيتام.

أما عن أضرار الأكياس البلاستيكية وكل المنتجات البلاستيكية الأخرى التي لا تخلو ساعة من حياتنا من التعامل معها بطريقة وأخرى، فيتحدث عنها (الأضرار) الداني والقاصي والتي تؤدي بصورة مؤكدة للإصابة بكافة أنواع المرض الخبيث وغيره من الأمراض الخطيرة، وبالتحديد عند تماسها مع المأكولات الحارة والباردة أيضاً.


كانت الورشة ممتعة وتفاعلية لتنتهي بملئ إستمارة إستبيان تسأل عن تفاصيلها، و كان أحد الأسئلة المطلوب الإجابة عنها في الإستبيان، كيف كان الجو العام للجلسة ؟

وإذا لم يكن السؤال عن الجو الإجتماعي، فإن الجو العام كان (يسمط سمط) !
فالورشة كانت في قاعة مبنى البيت الشبابي، والذي يقع خلف مسرح الطليعة (لزك) فليس بين الجدار الخلفي للمسرح ومدخل المبنى سوى متر وسانتيمات قليلة، وهي ليست مشكلة عظيمة في ظل توفير المبنى لفضاءات ضرورية خاصة بالفعاليات الشبابية. ولكن المشكلة العظيمة هي (الضلعون المينشلعون للقاعة ومن الدنكة للدنكة) !


تقع القاعة في الطابق الثاني والأخير للمبنى، وقرر المصمم المجهول أن تكون أضلاعها الجانبية بأكملها من الزجاج! أعتقد أن طول الضلع 20 متر تقريباً وبإرتفاع 3 أمتار أو أقل بقليل، ثم نضرب المساحة الناتجة × 2 لنستخرج مساحة الزجاج الكلية.


وأعتقد أن القضية من البديهيات وهي أن الزجاج الإعتيادي هو أسرع المواد في التوصيل الحراري مقارنة بالجدران بموادها المتنوعة (الثرمستون، الطابوق، البلوك). لذا فأن الحرارة (تسرح وتمرح) بين الخارج والداخل ولا يشفع لنا وجود 6 سبلتات عمودية لا حول لها ولا قوة. فالجحيم يبدأ بعد ثانية من إنقطاع الطاقة الكهربائية.
لذا فإن ذلك القرار التصميمي غير موفق أبداً في بيئتنا العراقية، وسأفكر مرات عديدة عند أي تصميم قادم بمساحة الزجاج المطلوب في الفضاءات، وبالتأكيد هنالك من يقول أنني سأستخدم زجاج (عاكس، عازل، مفرّغ) وهو قول مناسب لو كان المعماري متأكد من التنفيذ وأن نوعية الزجاج سوف لن تستبدل من قبل المقاول لأرتفاع أجورها أو أي سبب عراقي آخر.
وبالعودة لنفس الثنائيات التي بدأنا بها، (أجدادنا- نحن)، (السلة الخوص-الأكياس البلاستيكية)، وهي ليست دعوة للعودة للماضي ولكنهم كانوا أذكياء، يعرفون كيف يتفاعلون مع بيئتهم للعيش بأعلى مستوى من الراحة الممكنة وبالأدوات التي كانت متوفرة وقتها. في عمارتنا التقليدية القديمة لم تكن للمساكن الا فتحات قليلة ومحسوبة الى الخارج (الدربونة) شباك واحد أو ثنين كحد أقصى لكل غرفة في الطابق الأرضي، وفتحات الشناشيل في غرف الطابق الأول. مع علمنا أن لقلة الفتحات أسباب أخرى تشترك مع السبب البيئي وهي المحافظة على خصوصية وراحة أهل البيت من عيون المارة.



أما الأبحاث المعمارية المعاصرة فتشير الى أن أفضل نسب للشبابيك في بيئتنا هي النسبة المستطيلة عمودياً والتي تقلل من التعرض لشمس الصيف عرضياً وتسمح لشمس الشتاء المنخفضة من الدخول طولياً.
 إذن لماذا هذه المساحات الزجاجية الواسعة ؟ للأغرض الجمالية ؟ من قال أن الجمال لا يتحقق بمادة أخرى غير الزجاج؟ ومن قال أنني يجب أن أحقق الجمال لناظري المبنى من الخارج ومستخدمي المبنى من الداخل شايفين نجوم الظهر؟



وللأسف لم أستطع معرفة القائل، ولكنني قرأت له : وما فائدة فتح النوافذ إذا كانت لا تُطل على الوطن!

ومن يستطيع إنكار أن الوطن هو الراحة؟!  









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق