الثلاثاء، 17 يناير 2017

مدينة مشمشية

سعادتي لا تعرف الحدود... كل حركة من جسمي تقول ذلك، أعرف غنيمتي التي سأعود بها الى مدينة العمارة، قريباً ستنتهي العطلة الربيعية، وسنعود الى الدرس وسأروي لزملائي التلاميذ الصغار عن رحلتي الجديدة. أعرف أن البعض لن يصدقني، سيغار، بل أعرف أن البعض سيجمع عصابة الأطفال الصغار وينتظرونني عند بوابة المدرسة بعد نهاية الدوام لكي ينقضوا عليّ، وأنا لا أعرف سبباً في حينه حقيقة. لم أفهم لماذا تستدعي رواية عن بغداد كل العدوانية هذه؟ لماذا الهجوم عليّ وبهذا الشكل الصريح؟ لكن رغم اللكمات والخراميش التي حصلت عليها منهم، كنت من الناحية الأخرى سعيداً في الصميم. ها أنا أكتشف إختلافي عن الآخرين ... لا أحد فيهم يعرف بغداد .. أي إمتياز !
هذا ما يخبرنا به الأديب العراقي نجم والي في كتابه الممتع (بغداد-سيرة مدينة)، بعد أن زار مدينة بغداد في الاسبوع الأخير من شهر آيار عام 1962 وكان سينهي قريباً سنته الأولى في المدرسة الإبتدائية.
يقول أيضاً: من الصعب وصف شعوري في الشهر الربيعي ذلك، شهر قطف المشمش، لذة اللحظات تلك هي بلذة أكل المشمش الذي قُطف للتو. وكان يكفي بالنسبة لي بعد عودتنا أنني تعرفت على بغداد التي رأيتها، لكي أشعر بأنني أطير، بأن كل قوانين الجاذبية التي سأتعلمها كفّت في تلك اللحظات عن الوجود. (إنتهى الإقتباس)


وأنا بدوري أجد من الصعب وصف شعور الأم أو الأب الذي يرافقه إبنه أو إبنته الصغيرة ليشاهد ماشاهدته صباح  هذا اليوم في (راس شارعنا).
لقد حكيت لكم سابقاً عن سوق مندرين ... وهو عبارة عن فرع سكني ضيق تحول بقدرة قادر الى شارع تجاري يأتيه الناس من كل حدب وصوب. وبسبب الحالة الأمنية التعيسة تم غلق الشارع بالصبات أمام السيارات ومنها سيارة جمع النفايات... لذا أخذ سكان الفرع بإخراج نفاياتهم ورميها في مدخل الفرع لتتحول الى مشهد جمالي بديع يمر به المتسوقين قبل الدخول الى السوق.
كل ما سبق قائم ومستمر منذ مدة طويلة ... ولكن جديد هذا الصباح عبارة مكتوبة بالسبري الأسود و(بالبولد العريض) فوق مكان رمي النفايات:
إبن ........ و ......... سكط
إبن ............ الذي يرمي الأنقا
والنقاط موقع لشتيمة تبدأ بحرف الكاف وليست نوع من أنواع الحيوانات بالتأكيد !
والكلمة الأخيرة ليست خطأ إملائي مني لأنها مكتوبة بهذه الأحرف، والسبب أن السبري الأسود قد نفذ قبل أن يستطيع الكاتب إكمال كلمة (الأنقاض) لإنه قد إستهلكه بزيادة سُمك كلمات الشتيمة السابقة.
سيقرأ هذه العبارة مئات من الأطفال والنساء والرجال ... والسؤال المهم:
أيهم أكثر ضرراً على الأطفال وعلينا حتى نحن الكبار، رؤية أكوام النفايات يومياً؟ أم قراءة هذه العبارة البذيئة؟
عند رؤيتي لها صباحاً طلبت من السائق التوقف فوراً لألتقط صورة للعبارة الجديدة كدليل على ضرورة الإنفصال عن الواقع المشمشي الذي نعيشه.
وبعد الدليل المقنع لم إشاهد أي تفصيلة لطريقي اليومي لأنني دخلت عالماً موازياً خلقته الكاتبة المصرية درية الكرداني في رمالها الناعمة، عالم غريب، مثير وعجائبي.


وكما ساعدتني رواية (رمال ناعمة) بالحصول على طاقة إيجابية بعد صدمة الصباح، أتمنى أن تساعدوني في الإجابة عن السؤال السابق لأنني لا أعرف بأي منطق يجب أن نجيب عنه؟

أيهما أكثر ضرراً: رؤية الطفل لكومة من النفايات يومياً أم قراءة كلمات بذيئة جداً مكتوبة على جدار ....


والحقيقة إنه سيرى كومة النفايات والشتيمة في نفس ذات الوقت ... فلا أحد سيتوقف عن رمي الأنقا .















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق