الأحد، 22 يناير 2017

إعلان

لم أولد فيها، ولم العب في شوارعها طفلاً أو صبياً، أتذكرها فقط عند زيارتي لمطعم الساير ومطعم السندباد عندما كنت صغيراً مع عمتي مرة وعمي أخرى، ولكن قصتها معي تبدأ بعد أن إنتقلنا أنا ووالدتي للسكن فيها قرباً من جامعتي التكنولوجية.
خمسة عشر عاماً في ثلاثة مساكن مختلفة، خمسة عشر عاماً في محلاتها وشوارعها، أسواقها ومطاعمها، الحلاقين، صاغة الفضة، بائعي الفلافل والسمك المسكوف. وكما إقنيت كتاباً قبل مدة عن أحد أحياء مدينة بغداد، فهي تستحقُ كتاباً وأكثر، ولكن لضرورات الايجاز استطيع وصفها الآن بأنها:
بيئة للإحترام والحرية والسلام 
هل تمتلك سراً لتميزها؟ بالتأكيد... ساكنيها الأوائل، طبائعهم، أخلاقهم، والتي جعلت كل من يجاورهم يصاب بالهدوء والتسامح واللطافة.

تلك الصفات كانت سبباً حتى للمظاهر الحالية فيها، إختيارها للسكن من قبل مسؤولي الدولة، إختيارها للعمل من قبل مالكي النوادي الليلية، إختيارها للإحتفال من قبل سكان المناطق الأخرى في كافة المناسبات المفرحة.
في مجلس الفاتحة الأخير قال الخطيب على المنبر:
لقد حمّلوني عوائل شهداء التفجير العظيم أمانة يجب أن أنقلها لكم، إنهم يعتبون على المحتفلين بمناسبة رأس السنة الميلادية في نفس الشارع ولم تمضي مدة طويلة على مصيبتهم الآليمة، لم تمضي سنة حتى على الذكرى.
وإذا كان الإحتفال في الشارع لليلة واحدة مؤلماً لذوي الشهداء، فما هي مشاعرهم تجاه إعادة إعمار موقع الحدث ليعود كمجمع تجاري يرتاده المتبضعون؟

(إعلان)
بسم الله الرحمن الرحيم
(وماتقدموا ﻻنفسكم من خير تجدوه عند الله، ان الله بما تعملون بصير) صدق الله العلي العظيم
يتشرف المجلس الإقتصادي العراقي برعاية تأهيل واعمار مجمع الهادي سنتر التجاري
قال رسول الله (ص): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) صدق رسول الله (ص)

هذا ما كُتب على لافتة كبيرة أمام واجهة الموقع.

هنالك مالكي مبنى المجمع وقد استثمروا الكثير من الاموال في بناءه وهم بحاجة لناتج ذلك الاستثمار بالتأكيد، والمبنى بحالته الآن يضرهم ولا ينفعهم.
وهنالك مؤجري المحلات وقد استثمروا أيضاً في بضاعتهم التي خسروها وهم بحاجة لإعادة نشاطهم التجاري في سبيل تسديد ديونهم أولاً وتحقيق الأرباح بعدها.
ولكن لنترك الحسابات المالية جانباً ونتخيل حواراً بين شخصين من حاضري إجتماع أعضاء المجلس الاقتصادي العراقي مع أصحاب مجمع هادي سنتر وأصحاب المحلات فيه وأعضاء المجلس البلدي:

الأول: زين ... خلي نفرض إستلمنا تبرعات المجلس وعمرّنا البناية وسلّمنا المحلات للمؤجرين السابقين وجابوا بضاعة ورجعوا فتحوا المحلات ... أكو أحد راح يجي يشتري من المجمع؟
الثاني: وليش محد يجي يشتري؟
الأول: يعني معقولة ورة كل الي صار بالمكان ومئات الشباب الي استشهدوا ويرجعون الناس يفترون بي ويتفرجون على البضاعة وكأن شئ لم يكن.
الثاني: يمعود الناس ينسوون شوية شوية وترجع الأمور لطبيعتها، يعني قابل نبطل ونكعد ونسكت...


هل لأعداد الشهداء علاقة بعودة الأمور من عدمها؟
تعود الأمور لطبيعتها في حال استشهاد عشرة أشخاص، عشرون شخصاً، ولكن مئة شهيد مئتين وأكثر؟

هل تستطيع أنت دخول المجمع والشراء من محاله بعد إعادة إعماره؟
أما أنا فبداخلي رغبة دائمة للنزول من سيارة الكوستر وشتم بائع الرصيف الذي علق بضاعته على السياج المعدني للموقع. كيف يستطيع الإنسان فقدان الحس لهذه الدرجة؟

هل نحن بحاجة لذكر أمثلة عن كيفية تعامل الشعوب مع مواقع هكذا مصائب؟ تحويل المجمع الى معرض للأعمال الفنية التي تعبر عن الحدث (كان هنالك فعالية مؤقتة لعرض مثل هكذا أعمال ومن الممكن تحويلها الى فعالية دائمية). معرض لممتلكات الشهداء (كما في نصب الشهيد في الزمن السابق والحالي) وغيرها من الأفكار التي توثق الحدث، لا تستخف بمشاعر ذوي الشهداء وتحقق المكاسب الاقتصادية بالتأكيد.

هل هنالك أمل برؤية مثل هذه الأفكار على أرض الواقع؟ وهل هنالك أمل حتى بتوفير متطلبات السلامة في المباني التي نعيشها؟ والتي كان غيابها سبباً في أغلب ما حصل.

أعرف ان الإجابة المناسبة لمثل هذه الأسئلة هي: أمل تزوجت وصار عدهة جهال.













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق