ورشة عمل
مؤتمر... ندوة... دورة... محاضرة... ورشة عمل... تتعدد أسماء الفعاليات العلمية بحسب طبيعة التفاعل بين الحاضرين فيها (الباحثين-المستمعين)، ولعل أكثرها قرباً من القلب هي: ورشة العمل، لأنها في تعريفاتها الاصطلاحية والتجارب العالمية تتضمن تفاعل جميع المشاركين مع بعضهم حول موضوع الورشة وتقترب من مناقشة وتجريب تطبيقات عملية لموضوعها، ولها بالتأكيد مفاهيم أخرى.
وقد حضرت أخيراً ورشة عمل تخص مباني تراثية وتأريخية في مدينة بغداد، وهي فرصة ذهبية للإقتراب من مجالات نعاني البعد عنها، تأريخ مدينة بغداد، مبانيها القيّمة، حال تلك المباني الآن، لقاء مختصين ومن مدارس معمارية ومؤسسات متنوعة، وعبور نهر دجلة في يوم ممطر سيراً على الأقدام.
كانت البداية مع عرضين لأساتذة محترمين أعضاء في جمعية المهندسين العراقية، الأول تناول تقريراً استطلاعياً عن حال ثمانية مباني تراثية، واقعها الوظيفي والانشائي، ومناقشة إشكالية تشابك الجهات المسؤولة عن تلك المباني، فمرة هي عائدة لأمانة بغداد ومرة لدائرة الأثار والتراث ومرة للتربية ومرة للأوقاف، والعرض الثاني تضمن مناقشة مفاهيم الادارة الحضرية وضرورة إدراج المباني التأريخية والتراثية ضمن السجل الوطني وضروره إعلان فقراته في الصحف الرسمية وأخيراً التأسيس لمعايير جديدة لقياس تهرأ تلك المباني وعدم الاعتماد على الحكم البصري على الحالة الانشائية فقط.
بعدها ... تحدث السيد المسؤول معلقاً على موضوعات العرضين شاكراً المحاضرين والحضور والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أعتقد أن اللوم يقع على المنظمين أو المشاركين ولكنني تذكرت بعد نهاية الورشة مقدمة لأغنية عراقية سمعتها في أحد البرامج التلفزونية، الأغنية تقول:
أني أريد .... هو يريد ... كُلنا نريد ...
فالمحاضرين يطلبون من المسؤولين تشريع القوانين الخاصة بحماية وتأهيل المباني التأريخية والتراثية، والمسؤولين يطلبون من المختصين اعداد الدراسات والتقارير ومسودات التشريعات، ثم يطلب المشرعون من الجهات التنفيذية تطبيق القوانين في حال تشريعها، والوزير المنفذ يطلب من الموظف والموظف لا يطبق تلك القوانين قاصداً أو مجبراً لعدم وجود مقومات تطبيقها، وتستمر تلك الدوائر العقيمة. فنحن نعيش في دائرة من الطلبات ولا احد ينفذ أو يحقق تلك الطلبات على أرض الواقع. لا تستطيع المؤتمرات والندوات تحريك طابوقة واحد من مكانها لتاهيل تلك المباني القيّمة.
ولأن الحديث عن واقع الدوائر التنفيذية، وعن إهمال المجتمع لممتلكاته الثقافية لا يقدم ولا يؤخر ولن نستطيع معه قول اي شي جديد، فمن الأفضل الحديث عن ميول شاعر الاغنية السابقة نحو التصميم الحضري!
يقول في مقاطع متفرقة:
- الشارع ينهدم حيلة ومن تفوت ...
- رصيف الشارع تكسر يكول إسم الله من تعثر...
- حتى الضوة تلكاها، راحت روحة وياها ... (ويقصد بالضوة إنارة الشارع)
بدوري ابتكرت عبارة غزل معمارية تراثية هي: بادكَير حياتي!
وحين كنت لا أزال أفكر بالطرق الممكنة للفت انتباه المجتمع لتلك المباني الرائعة والتي تمثل سلسلة للمراحل الحضارية للمدينة، سمعت بوضوح صوت علبة مشروبات غازية معدنية ارتطمت بالارض بعد أن رماها أحدهم قرب باب المنزل، وفي ثانية إبتكر ذهني مرة أخرى شتيمة جديدة:
رحم الله والديك إبن الكلـ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق