الاثنين، 20 مارس 2017

قل ولا تقل


محمود المرزوق: من تقصد بالمثقف؟
سعد محمد رحيم: هو منتج المعرفة وصانع الجمال الذي يمتلك رؤية نقدية ويهتم بالشأن العام.
محمود المرزوق: إسمع سعد سأفيدك بفكرة، المثقف (اليوم) هو ذلك الثرثار العاجز الذي يخدع نفسه بألاعيب بلاغية فارغة لا تقدم ولا تأخر، وهو في النهاية من الخاسرين!
كانت هذه الحوارية من رواية (مقتل بائع الكتب) خاتمة على سرير يوم ملئ بالأحداث.
وبدأ محمود المرزوق هذا حياته كفنان ثائر على مجتمعه، قضى الجزء الأكبر من شبابه وما بعده بين روسيا وبراغ وباريس، فيعود أخيراً الى بعقوبة مدينته الأولى، يفتتح مكتبة لبيع الكتب فيفشل مشروعه بمرورالوقت، لتنتهي حياته كشيخ كبير وحيد مع كتبه في سرداب عمارة رطب، ساخراً من زبائنه المعدودين وناقداً لهم بلا إستثناء.


وبعد حكاية واقعة حدثت لي بعد قراءة الرواية سأقول لكم الخلاصة، عندما قررت آخر مرة زيارة محلات بيع اللوحات الفنية في شارع كرادة داخل، نزلت الى سرداب إحدى البنايات للفرجة على اللوحات هناك، وعندما دخلت أحد المعارض المظلمة (والواقع أن إسم محل أكثر دقة من إسم معرض)، استقبلني (البائع، السمسار، الفنان) لا أعلم، المهم استقبلني بتعالي واضح جداً، وعندما قلت له أريد أن أتفرج على اللوحات المعروضة تركني لينشغل بحاسوبه المحمول، عثرت لديه على لوحات للفنان العراقي جميل حمودي وعند سؤالي عن أسعارها، أجابني بطريقة روبوتية، هاي بألف ونص دولار، والثانية بألفين ونص دولار، والثالثة بتلاثة ونص دولار... ولما كنت لا أحمل سوى 30 الف دينار عراقي لا غير في جيبي درت بسرعة على اللوحات المعروضة وشكرته وأنا اتجه نحو الباب للمغادرة، ولم يتعب نفسه حتى لإجابتي.
ولو فرضنا أن المتعامل بالفن هو مثقف أيضاً فالخلاصة هي:
 هل يتصف المثقف بالتعالي على العامة؟
وإذا كانت الإجابة نعم، فمن سياخذ بيدهم نحو الثقافة؟
هذه العلاقة الضعيفة بين المثقف والآخرين والتي تشككنا بتعريف سعد محمد رحيم للمثقف، كيف ستصل المعرفة التي ينتجها المثقف للناس؟ وكيف سيتذوقون ما يراه هو جميلاً وهم يخالفونه بالذائقة؟ كيف سيتقبلون منه النقد دون أن يروه متكبراً في برجه العاجي؟ وكيف سيعالج الشأن العام الذي يهتم به؟
يشتري المثقف سيارة فينفصل عن سائق التكسي والكيا والكوستر، يزور المحلات الراقية فينفصل عن بائعي (الجنابر) ومحلات السلع المستخدمة .. وهكذا، فالاتصال والإنفصال هو العامل الأهم في ثنائية المثقف وغيره.
لابد أن نعود الى الماضي أو نسافر خارج الحدود لضرب الأمثلة الإيجابية... العلامة مصطفى جواد عملاق اللغة العربية كما يصفه أبناء جيله، عمل على بث برنامج إذاعي إسمه (قل ولا تقل) يصحح فيه الأخطاء الشائعة في إستخدام اللغة العربية بين الناس، وكان يستمع له الجميع، المختصين والطلبة ومرتادي المقاهي، وقد تحولت مادته الى كتاب لاحقاً وهو متوفر على الشبكة.  وتنقل لنا جدتي إحدى تصحيحاته الكوميدية أو هي من تأليف الناس .. لا أعلم :
يقول: قل همٌ دهاكَ ولا تقل أهمداكَ !
ولكون البرنامج إذاعي فلم يتفضل علينا أحد بتحميله على you tube، ولكنني وجدت مقطعاً يعتمد على فكرة البرنامج.



كل ما سبق من أسئلة  كان سببها شائعة  سمعتها اليوم مرة أخرى وقد سمعتها سابقاً، حيث يشيع بين طلبة هندسة العمارة إستخدام مفردة (رينج) أو (الرينج) لوصف أعلى درجة تمنح لأحد طلبة المرحلة في تقييم  أحد التقاديم المعمارية، ولأن المفردة أصلها كلمة (range)  الانكليزية وترجمتها الأنسب (نطاق) أو (مدى)، لذا فهي تعبر وكما يستخدمها الأساتذة لوصف نطاق الدرجات المحدد بين أوطأ درجة وأعلى درجة. فالاستاذ عندما يقول (رينج الدرجات) يقصد جميع الدرجات وليس الأعلى فقط. ومن غير المناسب لغوياً إطلاقها على الحد الأعلى فقط من الدرجات.
والإشاعة الأكثر غرابة هو أن درجة نجاح الطالب أو رسوبه يحددها أعلى درجة في التقديم أو (الرينج) كما يقولون، فلو كان أعلى درجة منحت لطالب هي 80 مثلاً فأن الطالب الذي نال درجة 40 يعتبر ناجحاً في التقديم !
وإذا كانت أعلى درجة 50 مثلاً فإن درجة 25 تعتبر درجة نجاح أيضاً، وهذه إشاعة خاطئة تماماً.
صحيح إن مستوى تقديم أفضل طالب هو من يحدد درجات المستويات الأقل منه لطلبة المرحلة، ولكن تبقى درجة أي تقييم هي من 100 % وأن درجة النجاح هي 50 % وما فوق دائماً.

لذا وإتباعاً للعلامة المرحوم مصطفى جواد أقول لطلبة هندسة العمارة:
 قل أعلى درجة ولا تقل الرينج ...
الرينج وحمد !! ها ها ها .
وأنا أعلم أن مصطفى جواد سينعتني بصفات سيئة عندما يرى اللغة العربية التي أكتب بها... 











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق