الأربعاء، 8 مارس 2017

غرفة الشتائم

من حُسن حظ الإنسان أن يمتلك أصدقاءاً يكبرونه عُمراً، ومن حُسن سلوكه أن يستمع لهم... ثم يقرر بعدها الأخذ بنصائحهم وخلاصة تجاربهم أو أن يشق لنفسه طريقاً خاصاً به لا يتطابق مع طريقهم ولا يغفله أيضاً.
كنت برفقة د. بشار شامل عندما قررت أن أشتري سلحفاة... مجموعة من السلاحف الصغيرة الجميلة في حوض بلاستيكي نصف ممتلئ ومنصة خارج الماء لوقوف السلاحف وجهاز لتحريك الماء وتزويده بالاوكسجين، سأل البائع: أيهم تريد؟ فقلت لدكتور بشار: لنختار أكثرهن نشاطاً وحركة... فأجاب:
-أخشى أنها رقصة الموت!
تذكرت تعبيره اليوم وأنا أشاهد من شباك الطابق الثالث، طلبة أحد أقسام الجامعة وهم يحتفلون بتخرجهم...
أتضايق من هذه الأيام خلال العام الدراسي، أيام إحتفالات التخرج... نوعية الأغاني الهابطة والمبالغة بالمظاهر ليست هي السبب الحقيقي، السبب هو إستحضاري لمشاعر تخرجي من دراسة البكالوريوس، إذا كان هنالك مشاعر فرح بالتخرج فهو كما أعتقد بنسبة ضئيلة، والنسبة الأكبر لمشاعر القلق من نجاح الخطط بعد التخرج، خاصة في عام تعيس مثل عام 2006 وما بعده.
لا أريد الجزم بموضوع لست صاحبه، ولكني أعتقد ان رقص الطلبة بهذه الطريقة وعلى هذه النوعية من الأغاني هي (رقصة الموت).
ورقصة الموت كما يخبرنا الباحثون السوريون، هي قصيدة سيمفونية ألفت عام 1874 على يد الفرنسي كاميل سانت سين، وفكرته مستوحاة من لوحة رسمها الفنان ميكائيل فولغيمون عام 1493، وطبقاً للإسطورة: يظهر الموت عند منتصف الليل في الهالوين من كل عام، ويستدعي الأموات في قبورهم ليرقصوا له، بينما يعزف هو على كمانه، وتستمر رقصتهم هذه حتى يبزغ الفجر، بعدها يعود الأموات الى قبورهم لينتظروا للسنة التالية.


وكما يتخلص الإنسان من قلقه ومشاعره السلبية عن طريق الرقص، كنت أستمع للأمريكي ستيف هارفي وهو يتحدث عن دور إطلاق الشتائم في القيام بنفس الوظيفة. يقول أن من يطلق الشتائم لا يصاب بأمراض الرئة والقلب والشرايين...
ولأن الدين الأسلامي والأخلاق الإنسانية عامة تنهى عن إطلاق الشتائم على الأخرين، فمن المفضل الإبتعاد عنها... ولكن هل هذا سهل وممكن التطبيق؟
بالتأكيد هنالك مستويات من الشتائم، مستويات بذيئة جداً ولا يمكن بأي حال من الأحوال إستخدامها،  ومستويات غير بذيئة تستخدم الحيوانات مثلاً وما ينتعله الإنسان بقدميه بإختلاف الأنواع والمسميات.
أعتقد أننا بحاجة لإستخدام النوع الثاني، وخاصة عندما يفاجئنا أشخاص آخرين بمواقف سخيفة جداً وغير متوقعة كما حصل معي اليوم. عندما يمتلئ رأس إنسان بأفكار مريضة فيعتقد أن الآخرين يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر بها!
عندما يكون الإنسان كاذب مثلاً فهو يعتقد أن الجميع كاذبون..
 ولأنني أحاول التفكير بكل ظاهرة بأكثر من طريقة، فقد لا يكون الإنسان كاذباً ولكنه لكثرة تشخيصه للكاذبين حوله سيفقد الثقة ويظن بهم ظن السوء.
المهم كنت بحاجة شديدة اليوم لإطلاق الشتائم، ولكنني لم أستطيع ولا أستطيع في مرة قادمة أيضاً، ولأننا نشترك بتلك الظاهرة الإنسانية التي تتمثل بإستعادتنا للمواقف التي نمر بها ونحاول أن نتخيل طرق أخرى للتعامل معها:
كان من المفترض أن أقول له كذا ... كان من المفترض أن أقنعه بالدليل الكذائي ... وهكذا.
لذا ونتيجة لتطور التكنولوجيا وبالتحديد تكنولوجيا الواقع الإفتراضي، أعتقد أننا بحاجة لفكرة جديدة وهي حتى بداية لمشروع تجاري مربح.
يأتي الزبون وهو منزعج من موقف سابق لم يتعامل معه بالطريقة التي يتمناها وتخيلها بعد إنتهاء الموقف، فنعمل على إعادة تصميم الموقف إفتراضياً، المكان والأشخاص ونترك له حرية التصرف هذه المرة بلا خوف من العواقب.
يُجيب ويقنع ويشتم ويضرب ... فيعود الى الواقع وهو أقل توتراً وحتى أكثر خبرة للتعامل مع المواقف في المستقبل لأنه مارس خياله على الأقل إفتراضياً ...



انا مستعد لدفع مبلغ محترم لإعادة مشهد اليوم وإستخدام ما أملتكه من خزين شتائمي غير المستخدم، فهل هنالك من يمتلك رأس مال كافي للبدأ بالمشروع؟








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق