الأربعاء، 13 يناير 2016

أمنيات وتجارب

أن تكتب قائمة بالأمنيات التي تريدها أن تتحقق ... ثم يأتي أحدهم فيقول لك: إحذر مما تتمنى! 
كانت واحدة من أمنياتي السابقة أن أجرب مهمة التحكيم في مباراة لكرة القدم.
مهمة صعبة وممتعة ... المعرفة بالقوانين، التركيز على الكرة، الحركة خارج إطار حركة اللاعبين، وكونك تمتلك السلطة، سلطة (الصافورة).
وقبل سنتين تقريباً ونتيجة لوجود أكثر من فريق في الساحة كانت المباراة بحاجة الى حكم من الفريق الذي لا يلعب، وهنا حققت تلك الأمنية. أعطوني الصافرة وحكّمت المباراة دون أخطاء شنيعة.
بعدها مباشرة .. أصبت بالإنفلونزا، والسبب أن الصافرة كانت (بحلك ميت واحد قبلي)!

في بداية هذا العام فكرت بعدد من التحسينات الواجب عملها، ومنها الممارسة المستمرة للرياضة، وصادف أن تغير موعد بطولة الجامعة في كرة القدم، لذا كانت بداية مشجعة لزيادة اللياقة والإستمرار المفترض لبقية السنة.
لعبنا أول مباراة وخسرناها (3-2) وحجتنا أننا لم نلعب سوية منذ فترة طويلة جداً، ثم تم الترتيب لمباراة ودية ... نعم ودية، ومن المفترض أن يعلم الجميع ماهي المباراة الودية (لياقة، تنظيم الفريق وأخيراً الونسة). وما أن أستلمت الكرة للمرة الثانية بعد نزولي للملعب حاولت أن أتجاوز اللاعب المنافس، فما كان منه إلا أن ضرب ساقي، ففقدت السيطرة، ووقعت بطريقة خاطئة على القدم لينكسر أحد عظام مشطها!

أقرأ ليوسف العاني (شؤون وشجون مسرحية)، وأفكر بالشبه بين المهندس المعماري والممثل في ضرورة تقمصه للشخصيات. تصمم مسكن فتتقمص شخصية صاحبه ومتطلباته وتتجول فيه خيالاً أو عن طريق برامج الكومبيوتر المتوفرة. تصمم مسرح، فتتقمص دور الممثل وكيف سيدخل الى الفضاءات المخصصة له وكيف سينتقل الى المسرح، تتقمص دور المخرج وكيف سيستعمل فضاء العرض لحركة الممثلين وتوزيع قطع ديكور خلفية المسرحية وتتقمص دور الجمهور وكيف يشاهدون المسرحية براحة وتوفر لهم كل الخدمات المطلوبة. تصمم مستشفى فتتقمص دور المريض والطبيب والممرضة حتى! وهذا الحال في كل المشاريع الأخرى.
الأمر مشابه للممثل بطريقة معينة فهو بحاجة لتقمص الشخصيات أمام الجمهور، أما المعمار فهو يتقمصهم بينه وبين نفسه لينتج عن ذلك قرارات تصميمية ملائمة لوظائفهم وسلوكهم.
 لا أعرف حقيقة إن كان هنالك مهنة أخرى غير العمارة والتمثيل تتطلب هذا التحدي؟
لحظة ... الروائي أو القاص يتقمص أيضاً شخصيات أبطاله وهم يتنوعون تنوع الحياة. ولكن الثلاثة يختلف نتاج تقمصهم، فمرة نص مكتوب، ومرة حركات وجه وجسد وكلمات وأخيراً مخططات معمارية تتحول الى مباني تضم داخلها كل ما سبق.
وبعيداً عن التقمص الإختياري لأغراض العمل، تقمصت نتيجة للحادثة السابق دور ذوي الإحتياجات الحركية الخاصة. العيش بعكازين والإعتماد على الأخرين في إنجاز الكثير من الإحتياجات اليومية.

ولكن هل من المبالغة الحديث عن متطلبات ذوي الإحتياجات الخاصة في ظل مشاكل العمارة العويصة التي نعاني منها حالياً ؟ نعم قد يجدها الكثير مبالغة !
 يجب الإشارة الى الأعداد المتزايدة لذوي الإحتياجات الخاصة نتيجة للحروب والصراعات السابقة والحالية، لذا نحن بأشد الحاجة للإهتمام بتلك المتطلبات، الإهتمام من خلال تضمينها لتصاميم أي مشروع معماري نعمل عليه، وبنسب تعتمد على نوع المشروع. ومن خلال الجانب الأكاديمي أيضاً، فزرع أهميتها لدى طالب العمارة، وربطها بالواقع الذي يعيشه، قد يكون مفيد جداً للمستقبل، فعند تكليفه بأي عمل، سيؤكد هو على ضرورة وجودها حتى لو تجاهلها الزبون، نتيجة لإيمانه بأهميتها لفئة من المستخدمين.
ليس دافع الكتابة هنا توضيح طبيعة تلك المتطلبات لأنها متوفرة في كتب التصاميم القياسية للمباني المتنوعة، ولكن الدافع هو التمني بتوفير قدر من الحرية لذوي الإحتياجات الخاصة، الحرية في أن يحققوا أحلامهم بمفردهم دون الحاجة الى شخص آخر قد يجدونه أو لا يجدونه.

الحقيقة أن التجربة متعبة ولكنني أتمنى أن تكون ذات فائدة ... لن أصمم أي مبنى مستقبلي دون أن أفكر بهم ... رزقنا الله وإياكم السلامة.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق