السبت، 22 يونيو 2019

سكن الملوك


سرديات الفضول
سلسلة تعتمد دافع الفضول في التحري عن الثقافة المعمارية في مجالات السينما والفن والادب

-4-

سكن الملوك

الحرية الفردية ام المصالح الجماعية؟ الانزواء والانعزالية ام الروابط الاجتماعية؟

بهذه الاسئلة يفتتح جاريد دايموند (Jared Diamond)، مقاله (المدينة.. في ميزان الكسب والخسارة).


يخيّرنا بين العيش في احدى المدن الالمانية ذات الكثافات السكانية المرتفعة، حيث تفرض الحكومات قواعد وقوانين تخص اشكال والوان القرميد واشكال الشبابيك التي يمكن استخدامها للمنازل. الفوائد لهذه التقييدات الشديدة هي الحصول على نمط معماري محلي بديع، ومدن خضراء ودعماً حكومياً للثقافة والفنون.

او ان نعيش في مدينة لوس انجلوس الامريكية، حيث يتمتع اصحاب الملكية الفردية بحماية تامة لحقوقهم ومحصلة ذلك بيئة لا تخضع لاي ضوابط موحدة وتسمح بتشييد اي نمط معماري تقريباً فينتفي بذلك اي طابع معماري محلي مميز.

ثم يخيّرنا بعدها ان نسكن في مدينة ذات مجتمع مترابط يعرف افراده احدهم الآخر ويراقب تصرفاته ويبدي رأيه فيها، في مقابل ان يقف معه في السراء والضراء. ام أن نسكن في مدينة يتصرف كل فرد فيها بما يحلو له دون ان يضايق الآخرين ثم من المحتمل ان يموت وحيداً دون ان يضايقه احد ايضاً.  

الانعزال او الارتباط في العمارة ياخذنا الى قضايا السكن الافقي المنفرد والسكن العمودي متعدد الأسر.

وهو موضوع شائك وخاصة في البيئة والمجتمع العراقي، ويصبح شائكاً اكثر في ظل غياب القواعد الصارمة التي تحد من الحريات الفردية لتحقيق المصلحة الجماعية للمشروع السكني.

والحديث عن مشاكلنا المحلية يستغرق كتب ومجلدات سميكة، ولان الهدف من سلسلة (سرديات الفضول) هو خلق ثقافة معمارية تؤهلنا لوضع حلول لتلك المشاكل عند الاستطاعة، تذكرت مشاهدتي السابقة لفلم (KINGSMAN,The Secret Service).


اجزاء من دقيقة يستطيع بها مشروع (ALEXANDRA AND AINSWORTH ESTATE) ان يجذب الانتباه.


تتحرك مشاهد البداية للفلم في لندن حيث يعيش (Eggsy) البطل، في المشروع السكني المميز.

(Rowley way) (الاسم الشائع للمشروع) هو من تصميم المعمار (Neave Brown) والذي فارق الحياة في العام الماضي فقط. الملفت ان البحث عن صور تتعلق بالمعمار على محرك البحث GOOGLE يخرج بنتائج اغلبها عن نفس المشروع. للمعمار مشاريع أخرى بالتأكيد ولكنه يقع تحت تصنيف (المعماريين ذوي الفرصة الواحدة).


تأتي فرصة واحدة للمعماري ليصمم مشروع يغطي على جميع اعماله الاخرى، وهذا بالتاكيد افضل ممن لا ينال اي حظ من الشهرة.

ظروف الموقع وقرارات تصميمية معينة هي التي تجعل المشروع ملفتاً، يحد طرف الموقع سكة قطار فيعمل المعماري على وضع الكتلة السكنية الافقية على الحافة تماماً ثم يجعل واجهتها تجاه القطار صماء ومتكسرة وترتفع لثمان طوابق ليحد من دخول الضوضاء الى داخل المشروع.



البناء بوحدات كونكريتية مسبقة الصنع وعارية، توفير الاطلالات والحدائق بمستويات متعددة ومن ثم نظم الحركة الافقية والعمودية المترابطة واخيراً التعامل مع مواقف السيارات للوحدات السكنية.





يمكن العودة للمشروع لدراسته بدقة كمثال مشابه لمشاريع الاسكان المصممة والمشيدة في السنوات الماضية (1978) ودراسه حالته المعاصرة من الناحية الاجتماعية والانشائية.

يظهر المشروع في مشهدين الاول ساكن والثاني حركي لهروب (Eggsy) من افراد العصابة، وطريقة هروبه من شقته في الطوابق العليا الى الشارع تذكرنا برياضة الـ (Parkour).

لعلها اكثر رياضة ترتبط بالعمارة !


تعرّف الباركور بانها مجموعة حركات جسدية يكون الغرض منها الانتقال من النقطة (أ) الى النقطة (ب) باكبر قدر ممكن من السرعة والسلاسة، وذلك باستخدام القدرات البدنية وهي طريقة جديدة كرياضة لتخطي العوائق والتي يمكن ان تكون اي شئ، وهي غالباً عناصر معمارية للمباني او لمساحات التصميم الخارجي.



وضع اسس هذه الرياضة الفرنسي (David Belle) وهو ممثل ايضاً باستغلال مهاراته في اللعبة.




للباركور فلسفة، تتلخص بان المهارات المكتسبة تفضي في النهاية الى القدرة على التغلب على المخاوف والالام ومن ثم نقل ذلك الى الواقع وتطبيقه في اوجه الحياة المختلفة. زيادة على ان ممارسة الباركور سيغير من طريقة نظر اللاعب للاشياء من حوله وطريقة تعامله مع المشاكل التي يواجهها في حياته اليومية لانه تدرب على تخطي كافة انواع العقبات.

ما يهمنا كمعماريين من تلك الرياضة قضيتين:

ان نستخدمها في تحليل المشاريع التي ندرسها، فتكون الدراسة بصرية وحركية، لنتخيل اننا نستطيع قياس القوة او الضعف  لعلاقة الشد الفراغي بين كتلتين عن طريق القفز من الاولى الى الثانية!



والقضية الثانية ان نكون مسؤولين عن تصميم ميدان لممارسة رياضة الباركور، وهذا ما يفرض علينا خلق التنوع في عناصر التصميم وهو ما نطمح اليه غالباً.







البحث على الشبكة يدلنا الى مجاميع من الشباب العراقي الممارسين للعبة، ولو بحالات اولية، وهذه النتيجة تدفعنا للتفكير بتصميم تمارين لطلبة العمارة تتعلق بممارسة الرياضة في العراق بطريقة احترافية مستقبلاً.












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق