الأحد، 30 أبريل 2017

دعاء التسول الجامعي

دعاء التسول الجامعي

منذ سنوات طويلة وأنا لم أمنح دينار واحد لمتسولي الشوارع ... وقد كسرت القاعدة اليوم.

لم يخل العراق يوماً من المتسولين، وهم بوجودهم يمثلون إحدى مرايا المجتمع العراقي والتي تمكننا من النظر لظواهره الخفية والعلنية بوضوح أكثر.

وفي العراق أيضاً وفي بلدان أخرى، نؤمن بفكرة (الاصطباح) : كـــ(صبّحت بوجه فلان) مثلاً، وفكرة الاصطباح هي أول حدث صباحي جديد عن الروتين اليومي، كأن تستمع لصوت طائر، أو تلتقي بجيران معين عند الخروج من المنزل، أو أن تجري كل الأمور روتينية حتى يأتي الحدث الجديد خلال الفترة الصباحية وقد لا يأتي.
وإذا كانت الاحداث بعده ايجابية ومفرحة كانت الاصطباحة فأل خير وسعادة، وإن كانت الاحداث سلبية فالحدث سبب لها ولكل مآسي اليوم التعيس. بالتأكيد هي فكرة خرافية ليس لها مكان من العلم ولكنها قد تؤثر على الحالة النفسية فتغير نظرة الانسان تجاه الاحداث وليس الاحداث نفسها، لذا تسير أحداث اليوم برتابة حتى يأتي ذلك الحدث فيجذب الانتباه ويدفعنا للتفكير فيه وآثاره ومعانيه.

كان اليوم رتيباً حتى قابلتني المتسولة الصغيرة على الطريق الى الجامعة، طفلة بعمر أربع او خمس سنوات تقريباً، تمسكت بيدي بقوة لتمنعني من الحركة ولم تترك لي مجالاً لتجاهلها واكمال طريقي، وهي تطلب (250) دينار لا غير.
الغريب والملفت أن دعاء التسول من طلبة الجامعة تحول من : (ان شاء الله تنجح) الى (بداعة حبيبتك) ...

تتمحور إستراتيجية التسول، في وضع الاشخاص في موقف عاطفي استثنائي، كأن ينكسر قلب الانسان على مرض المتسول أو إعاقته، او أن يدعو له دعاء لتسهيل قضية مهمة جداً متعلقة بمكان التسول، فمن يتسول قريباً من مستشفى يدعو للناس بالصحة والعافية، ومن يتسول قريباً من مسجد يدعو للناس بحسن العاقبة ودخول الجنان، وقريباً من محكمة فيدعو لهم بتسهيل الأمر وحل المشاكل ... وبهذا المنطق فالدعاء القريب من المؤسسات التعليمية هو النجاح والتفوق بالتأكيد.


لا أريد المبالغة بالأمر، ولكن أن تصل رسالة من المجتمع الى الاب او الام المتسولة ومن ثم الى الطفلة المتسولة بأن الدعاء المناسب قريباً من الجامعة هو عن الحب والزواج فهنالك خلل في الصورة التي تعكسها الجامعة للمجتمع.
تجد صورة قريبة أيضاً عند سائقي التكسي وآخرين، فهم يحكمون على الأجواء الجامعية من مظهرها الخارجي، مظهر الطلبة وهم يخرجون من الحرم الجامعي فقط.

وليس الهدف هنا وضع حلول نظرية ونصائح لتغيير الصورة ... ولكن الأهم طرح أسئلة وتشكيل إجابات تفسر الواقع الذي نعيشه:

-       ما هي المظاهر التي يراها المتسول وصاحب التكسي فتجعله يطلق هذه الاحكام على مجتمع الجامعة وبيئته؟
-       وهل تلك المظاهر تعكس الواقع كما هو؟ أم هي تبعث رسالة مغلوطة للمتلقين خارج الجامعة؟
-       أم أن دعاء الطفلة خطة خبيثة لاحراج الطالب بكشف مشاعر ونوايا إنسانية طبيعية يعيشها أي إنسان وفي اي موقع مجتمعي مختلط؟

بالنسبة لي كان الموقف كوميدياً جداً، لقد جعلتي الطفلة أضحك من القلب بسبب غرابة السلوك والدعاء، ولأنه حدث صباحي غير روتيني قررت كسر قاعدة متسولي الشوارع.























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق